هل تعتقد أنك تخسر الدهون فقط؟ كيف تؤثر أدوية إنقاص الوزن على الكتلة العضلية
تحليل علمي معمّق لتأثير أدوية الحقن لإنقاص الوزن على الكتلة العضلية. كيف تؤثر هذه الأدوية على الشيخوخة؟ وهل فقدان الوزن دوائيًا يقود إلى ضعف غير مرئي؟ قراءة ضرورية لكل من يخطط لخسارة الوزن بأمان بيولوجي.

في خضم تسارع الاكتشافات الدوائية لعلاج السمنة، ظهرت الحقن الهرمونية كحلول ثورية لتقليص الوزن، مدفوعة بآليات فسيولوجية دقيقة وتسويقيه هائلة. غير أن هذا التقدّم العلاجي يثير أسئلة علمية جوهرية حول ماهية ما نفقده فعلًا أثناء إنقاص الوزن. فهل يُقاس النجاح فقط بعدد الكيلوغرامات المفقودة، أم يجب أن ننظر بعمق في تركيبة هذا الوزن؟ في هذا المقال، نغوص في أبعاد لم تُستكمل في النقاش العام: الكتلة العضلية، الشيخوخة، التوازن الهرموني، والاستدامة البيولوجية للنتائج العلاجية.
بداية الثورة الدوائية في إدارة الوزن
أفرزت الثورة البيولوجية في علوم الأيض والغدد الصماء تطورًا مذهلًا في العقاقير الموجهة لعلاج السمنة، كان أبرز مخرجاته بروز مجموعة من الأدوية التي تُعد اليوم نقطة تحوّل استراتيجية في التدخل العلاجي طويل الأمد. هذه الأدوية، التي تنتمي إلى فئات متعددة من المحفزات الهرمونية والببتيدات التنظيمية، أعادت صياغة حدود الفعالية السريرية وأثارت نقاشًا علميًا واقتصاديًا واسع النطاق حول مستقبل الطب الأيضي.
يأتي في مقدمة هذه الفئة دواء "سيماغلوتايد" semaglutide الذي يُسوّق عالميًا تحت عدة أسماء تجارية أبرزها "ويقوفي" Wegovy لعلاج السمنة و "أوزمبك" Ozempic لعلاج السكري من النوع الثاني، إضافة إلى الدواء الذي يأخذ عن طريق الفم "ريبلسيس" Rybelsus. وهو يعمل على تحفيز مستقبلات GLP‑1 بطريقة تقلل من الشعور بالجوع وتؤخر إفراغ المعدة وتُحسّن ضبط سكر الدم، مما يجعل تأثيره مزدوجًا على سلوك الأكل وتنظيم الأيض.
أما "ليراغلوتايد"، الذي عُرف تجاريًا باسم "سيكسندا" Saxenda لعلاج الوزن و "فكتوزا" Victoza في سياق السكري، فيُعد السلف الفسيولوجي للسيماغلوتايد، مع اختلاف جوهري يتمثل في الحاجة إلى الحقن اليومي بدلاً من الأسبوعي. ويشارك الدواء نفس آلية التأثير على مستقبلات GLP‑1، لكنه ذو تأثير أقل من حيث الفعالية الإجمالية على خفض الوزن، ما جعله يحتل مكانة انتقالية في المسار التطوري العلاجي.
اللاعب الثالث والأكثر طموحًا في هذه السلسلة هو "تيرزيباتايد" tirzepatide، الذي طُرح في الأسواق تحت اسم "زيببوند" Zepbound لعلاج السمنة "منجارو" وMounjaro لعلاج السكري. ويمتاز بتركيبة فريدة تعتمد على تحفيز مزدوج لمستقبلات GLP‑1 وGIP، مما يتيح تأثيرًا أكثر تعقيدًا على المحاور العصبية والهضمية المرتبطة بالشهية وتنظيم الجلوكوز. هذا التداخل البنيوي في العمل الفسيولوجي جعل الدواء واحدًا من أسرع العلاجات نموًا على مستوى السوق والاستخدام.
وفي موازاة ذلك، يشهد السوق صعود تركيبات علاجية هجينة مثل CagriSema، التي تجمع بين سيماغلوتايد وهرمون كاجريلينتايد لتعزيز الإحساس بالشبع وتنظيم تخزين الطاقة. إلى جانب ذلك، يتقدم دواء Amycretin كخليط تجريبي جديد بين محفزات GLP‑1 وهرمون الأميليـن، ليقدم بُعدًا ثلاثي التأثير في التحكم بالغذاء والسكر والدهون. كما تطوّرت مسارات دوائية موازية بعيدة عن محور الشهية، من أبرزها عقار "بيماجروماب" Bimagrumab’s ، الذي يعمل كمثبط لمستقبل Activin II ليمنع تأثير myostatin ويحفّز نمو الأنسجة العضلية، ما يفتح بابًا جديدًا لتقليل الدهون دون إضعاف البنية العضلية. إلا أن هذا التوجّه ما زال في طور الدراسات السريرية ولم يصل إلى مرحلة الاستخدام الواسع بعد.
الوزن الاقتصادي لهذه الأدوية
لم يعد تقييم هذه الأدوية ممكنًا بمعزل عن تحليل آثارها الاقتصادية الكاسحة، إذ تشير التقديرات الحديثة إلى أن السوق العالمي لأدوية السمنة القائمة على الحقن بلغ ما يفوق 26 مليار دولار في عام 2024. وتشير النماذج التنبؤية إلى تضاعف هذا الرقم ليتجاوز 400 مليار دولار بحلول عام 2034، في ما يُعد أحد أسرع القطاعات الدوائية نموًا في التاريخ الحديث. يُعد دواء سيماغلوتايد الركيزة الأساسية لهذا التوسّع المالي، حيث سجل مبيعات ناهزت 28 مليار دولار خلال عام واحد، مع توقعات أن تتخطى حاجز 90 مليارًا في أقل من عقد. أما تيرزيباتايد، فقد سجّل أرباحًا تجاوزت خمسة مليارات دولار في عامه الأول، مع تقديرات تُشير إلى تحقيق أكثر من 18 مليارًا خلال العام التالي. وتؤكد هذه المؤشرات أن المنافسة بين شركات الأدوية الكبرى، مثل نوفو نورديسك وإيلي ليلي، لم تعد تقنية أو طبية فحسب، بل أصبحت أيضًا معركة مالية واستراتيجية.
انتشار استخدام هذه الأدوية
انعكس هذا النمو الاقتصادي في الاستخدام الواسع لأدوية الحقن على المستويين العلاجي والاجتماعي، حيث ارتفع عدد وصفات سيماغلوتايد في الولايات المتحدة إلى أكثر من 13 مليون وصفة سنويًا، فيما قفزت وصفات تيرزيباتايد في بريطانيا من 3 آلاف إلى أكثر من مليون خلال عام واحد فقط. وتقدّر الهيئات الصحية البريطانية أن هناك نحو 3.4 مليون شخص مؤهّلين لاستخدام Mounjaro، مع خطط لتوزيع 220 ألف وصفة في القطاع الصحي الحكومي بحلول عام 2028، بينما يُقدَّر عدد المستخدمين الفعليين في السوق الخاص بأكثر من 1.5 مليون شخص. هذا التوسع لم يكن بمعزل عن التأثيرات الثقافية والنفسية. فقد لوحظ تغير في أنماط الاستهلاك الغذائي لدى المستخدمين، وانخفاض في مبيعات بعض أصناف الطعام المرتفعة بالسعرات، مما يشير إلى تحولات في السلوك المجتمعي بفعل هذه الأدوية. بل إن بعض الخبراء يذهبون إلى حدّ تصنيف هذه العقاقير كعوامل ضغط على الصناعات الغذائية والدوائية التقليدية، وربما على نظم التأمين الصحي كذلك.
الآليات البيولوجية لأدوية الحقن في خفض الوزن
فهم المسارات التنظيمية للسمنة
السمنة ليست مجرد نتيجة لتراكم الدهون، بل هي انعكاس لخلل بنيوي معقّد في تنظيم الطاقة داخل الجسم. هذا الخلل ينشأ من تداخل متشابك بين العوامل الوراثية، السلوكية، والبيئية، ويُترجم غالبًا إلى اضطراب في العلاقة بين ما يستهلكه الفرد من طعام، وما يحرقه جسده من طاقة. ومن بين العوامل الرئيسية المساهمة: أنماط الأكل غير المنتظمة، الإكثار من الأغذية فائقة المعالجة، الاعتماد على مصادر غذائية غنية بالسكريات المكرّرة، وغياب التوازن الغذائي في محتوى الوجبات اليومية. لكن إلى جانب هذه العوامل السلوكية، تلعب الإشارات الهرمونية دورًا مركزيًا، إذ تُرسل القناة الهضمية والأنسجة الدهنية إشارات كيميائية إلى الدماغ، وتحديدًا إلى منطقة الوطاء، المسؤولة عن ضبط الشهية وتوازن الطاقة. أدوية السمنة لا "تحرق الدهون" مباشرة كما يُظن، بل تُعيد برمجة هذه الإشارات الحيوية من خلال تأثيرها على مستقبلات هرمونية تُنظّم الإحساس بالجوع، استجابة الإنسولين، وسلوك الأكل. وبهذا، فإن فعاليتها تقوم على تصحيح جذور الاختلال، لا على استنزاف عَرَضي للدهون.
GLP-1 وتأثيرها على الدماغ في إعادة برمجة الشهية
يرتكز كثير من هذه الأدوية على تحفيز مستقبل GLP‑1، وهو ببتيد شبيه بالجلوكاجون يُفرز طبيعيًا من خلايا الأمعاء بعد تناول الطعام. يقوم هذا الببتيد بعدة وظائف فسيولوجية؛ فهو يُحفّز إفراز الإنسولين، ويُقلّل إفراز الجلوكاجون، ويُبطئ من إفراغ المعدة، ولكنه الأهم يُرسل إشارات إلى الدماغ لخلق شعور بالشبع وتقليل الرغبة في تناول الطعام. عند حقن الجسم بسيماغلوتايد أو ليراغلوتايد، يرتفع تركيز GLP‑1 بشكل مصطنع ومُطوّل، مما يُحدث "تعديلًا قهريًا" في السلوك الغذائي، يتمثل في انخفاض الشهية، تناقص عدد الوجبات، وانخفاض كمية السعرات المُستهلكة. هذا التأثير المركزي في الدماغ يُفسّر التراجع الحاد في الوزن رغم غياب أي زيادة ملحوظة في النشاط البدني أو تغيّرات موازية في الاستقلاب الأساسي.
GIP وتأثيره المزدوج مع أدوية GLP-1
يتفرّد دواء تيرزيباتايد بأنه يُحفّز مستقبلات GLP‑1 وGIP معًا. والببتيد GIP، الذي يُفرز كذلك من الأمعاء، يُشارك في تحفيز إفراز الإنسولين بعد الوجبات. عند تفعيل هذين المسارين في وقت واحد، تزداد حساسية الجسم للإنسولين، وتنخفض مستويات السكر، ويعزز الشبع بدرجة أعلى مما يفعله GLP‑1 وحده. هذه التركيبة تمنح تيرزيباتايد فعالية مضاعفة في تقليل الوزن، مع تأثير أكبر على مقاومة الإنسولين ومؤشرات المتلازمة الاستقلابية.
هرمون الأميليـن كبُعد الثالث
يُعتبر الأميليـن هرمونًا يفرزه البنكرياس مع الإنسولين، وله دور مستقل في تقليل الشهية وإبطاء إفراغ المعدة. تجمع تركيبة CagriSema بين سيماغلوتايد وهرمون كاجريلينتايد (وهو شبيه بالأميليـن) لتقديم ما يُمكن وصفه بآلية ثلاثية: تنظيم الشبع، إبطاء حركة الجهاز الهضمي، وتحسين الإشارات العصبية المنظمة لسلوك الأكل. هذه التوليفة تسعى لمحاكاة البيئة الفسيولوجية بعد الوجبات الطبيعية، ولكن بشكل معزّز وذو تأثير ممتد.
الأثار الغير مباشرة
رغم أن هذه الأدوية لا تعمل مباشرة على تفكيك الشحوم، إلا أن انخفاض السعرات المزمن الناتج عن انخفاض الشهية يُحفّز الجسم على استخدام مخازنه من الدهون كمصدر للطاقة. هذا التحوّل يُؤدي إلى فقدان الدهون الحشوية وتراجع في محيط الخصر، وهو ما توثقه التصويرات بالرنين المغناطيسي والقياسات البيومترية في الدراسات السريرية. كما أن بعض الدراسات تُشير إلى تغيّرات في التعبير الجيني داخل الخلايا الدهنية نفسها، لكن هذه التأثيرات ما تزال قيد الدراسة.
ما الذي نخسره فعليًا؟
ماذا يحدث عندما يفقد الجسم أكثر مما ينبغي
في تقييم أي دواء مخصص لفقدان الوزن، لا يكفي قياس الرقم المتراجع على الميزان كدلالة وحيدة على النجاح العلاجي. ذلك أن هذا الرقم يُخفي وراءه مركّبين بيولوجيين أساسيين: الدهون من جهة، والكتلة الخالية من الدهون من جهة أخرى، وهي تشمل الماء، العظام، والأهم العضلات. وإذا كان الهدف الأساسي من إنقاص الوزن هو تقليل الكتلة الدهنية، فإن خسارة الكتلة العضلية تمثل خطرًا سريريًا متصاعدًا يتم تجاهله في كثير من الأحيان. الأدلة السريرية الحديثة، وخاصة من تجارب المرحلة الثالثة على أدوية GLP‑1، تُظهِر أن ما بين 30 إلى 40 في المئة من الوزن المفقود باستخدام هذه الأدوية يكون من الكتلة العضلية. هذا الرقم ليس تفصيلاً تقنيًا، بل إشارة إلى فقدان وظيفي محتمل في القوة، في الأيض الأساسي، وفي مقاومة الجسم للشيخوخة والعجز.
دراسة BELIEVE
في دراسة محورية عُرفت باسم تجربة BELIEVE، تم تتبّع تأثير ثلاثة أنماط علاجية على تكوين الجسم لدى بالغين مصابين بالسمنة أو السكري. شملت المقارنة استخدام دواء سيماغلوتايد وحده، ودواء بيماجروماب وحده، ومزيج بينهما بجرعة مرتفعة. النتائج أظهرت أن المرضى الذين تلقوا سيماغلوتايد وحده فقدوا 15.7٪ من وزنهم الكلي، إلا أن ما نسبته 7.4٪ من ذلك الوزن كان من الكتلة العضلية. في المقابل، حافظت مجموعة بيماجروماب على كتلتها العضلية بل شهدت زيادة طفيفة، بينما سجّل المزيج بين الدوائين أقل نسبة فقد عضلي (2.9٪) مع أعلى فقد إجمالي للدهون (45.7٪ من الدهون الكلية). هذه النتائج تضع أمامنا مشهدًا بيولوجيًا مركّبًا: في حين تؤدي أدوية مثل سيماغلوتايد إلى خفض الوزن الكلي، فإنها في ذات الوقت تُضعف البنية العضلية للجسم، مما قد يؤدي – على المدى الطويل – إلى عواقب وظيفية تمسّ الاستقلال الحركي، معدل الأيض، والحماية من الهشاشة.
لماذا يحدث هذا الفقد العضلي؟
الفقد العضلي في حالات إنقاص الوزن ليس ظاهرة جديدة، بل لوحظ كذلك في حالات الرجيم القاسي أو الجراحة الأيضية (مثل تحويل المسار). لكن في حالة أدوية GLP‑1، يعتقد الباحثون أن السبب يعود إلى الانخفاض الحاد في المدخول الغذائي، لا سيما البروتين، بالتوازي مع غياب النشاط البدني الكافي. وعند دخول الجسم في حالة عجز طاقي كبير، يبدأ بتفكيك البروتين العضلي لتلبية احتياجاته، خاصة عند غياب محفزات أنسجية لبناء العضلات. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأدوية لا تحفّز بصورة مباشرة على الحفاظ على البروتين العضلي أو على تحفيز تصنيع الألياف العضلية كما تفعل بعض الهرمونات مثل IGF‑1. وبالتالي، فإن الجسم يخسر الدهون والعضلات معًا، وإن كانت النسبة الكبرى للدهون، إلا أن الكتلة العضلية تنال قسطًا غير مهمل من هذه الخسارة.
الآثار السريرية المترتبة من خسارة الكتلة العضلية
خسارة الكتلة العضلية ليست أمرًا ثانويًا؛ فهي ترتبط سريريًا بانخفاض معدل الأيض الأساسي (BMR)، ما قد يُقلل من استمرارية فقدان الوزن لاحقًا ويزيد احتمال استرجاعه. كما أن العضلات هي خط الدفاع الأول ضد مقاومة الإنسولين، وعليه فإن فقدانها يُضعف من التأثيرات المضادة للسكري. علاوة على ذلك، تترافق الخسارة العضلية بزيادة خطر السقوط، انخفاض القوة البدنية، وزيادة الهشاشة العظمية، خاصة في الفئات العمرية فوق الخمسين.
خسارة الكتلة العضلية وتأثيرها على الأيض
تلعب العضلات دورًا محوريًا في توازن الطاقة، إذ تمثّل المخزن الأساسي لاستهلاك الجلوكوز تحت تأثير الإنسولين، والمحرّك الرئيسي لمعدل الأيض الأساسي (BMR). انخفاض الكتلة العضلية يؤدي إلى تباطؤ حرق السعرات، حتى في حالات الراحة، مما يُضعف فعالية أي محاولة لاحقة لفقدان الوزن، ويزيد من خطر استرجاع الوزن المفقود. علاوة على ذلك، تقل حساسية الخلايا للإنسولين مع فقدان العضلات، ما يجعل الجسم أكثر عُرضة للسكري من النوع الثاني، حتى مع وجود وزن طبيعي ظاهريًا.
خسارة الكتلة العضلية وتأثيرها على تبكير الشيخوخة
في سياق التقدم في العمر، تُعد الكتلة العضلية أحد أقوى المؤشرات الحيوية لما يُعرف بـ"العمر البيولوجي"، مقارنة بالعمر الزمني. فمع كل سنة بعد الأربعين، يخسر الإنسان بطبيعته 1٪ إلى 2٪ من كتلته العضلية، وترتفع النسبة بعد السبعين، إلا أن ما يُسرّع هذه الظاهرة هو التداخل العلاجي غير المحسوب. انخفاض الكتلة العضلية لا يُضعف فقط القدرة على الحركة، بل يرتبط مباشرة بازدياد خطر السقوط، فقدان الاستقلال الحركي، وتراجع الكثافة العظمية. إضافة إلى ذلك، تُفرز العضلات ما يُعرف بالـ"مايوكاينات"، وهي جزيئات تنظّم الالتهاب، تُحفّز تكوّن الخلايا العصبية، وتساهم في التوازن الهرموني والمناعي. بانكماش هذا النسيج، ينهار جزء من شبكة الدفاع الذاتي التي تؤخر ظهور أمراض الشيخوخة، وتدعم الوظائف الإدراكية والنفسية.
خسارة الكتلة العضليه وتأثيرها على سلامة الجسم
لا تكمن أهمية الكتلة العضلية فقط في وظيفتها الحيوية المباشرة، بل أيضًا في دورها كمرآة لسلامة الجسم العامة. فعندما تُفقد العضلات، ينخفض دعم الهيكل العظمي، وتزداد الضغوط على المفاصل، وتتراجع مرونة الحركة. كما أن المناعة البدنية ضد الصدمات البيولوجية – كالجراحة، العدوى، أو الإجهاد المزمن – تصبح أكثر هشاشة، لأن العضلات تمثل في حالات الطوارئ مخزونًا بنيويًا للطاقة والبروتين. فقدان العضلات لا يعني فقط جسدًا أنحف، بل جسدًا أقل قدرة على المقاومة، والتجدد، والاحتمال. إنه انتقال غير مرئي من القوة إلى الوهن، ومن الاستقلال الذاتي إلى الاعتماد المتزايد على أنظمة الدعم والرعاية.
ختاماً
إن السمنة، بصفتها اضطرابًا استقلابيًا بنيويًا، تتطلب تدخلًا علاجيًا يُدرك توازن الجسد لا وزنه فقط. فبينما تُحدث أدوية الحقن ثورة في القدرة على تقليل الكتلة الدهنية، فإنها تفتح – دون قصد – بابًا على خسارات موازية لا تقل خطرًا: الكتلة العضلية، معدل الأيض، والمناعة الحركية ضد الشيخوخة. إن المعالجة التي تُنقِص الوزن على حساب البنية العضلية، إنما تزرع بذور ضعف مستقبلي ناعم لكنه مُنهِك. وبهذا المعنى، يصبح الحفاظ على العضلات، لا مجرد هدف جانبي، بل بوصلة علاجية جديدة ينبغي أن توجه استراتيجية الطب الحديث في مواجهة السمنة والشيخوخة معًا. ليس المطلوب فقط جسدًا أخف، بل جسدًا أقوى، أطول عمرًا، وأكثر استعدادًا للزمن.